أعمل في مجال التجارة الإلكترونية في السعودية منذ ٢٠١١، ويومها مع العديد من الرواد هنا كنا سباقين في هذا المجال، ويؤلمني أن أكتب اليوم هذا المقال لأستعرض فيه مكان الشركات السعودية في التجارة الإلكترونية بين نظرائهم في المنطقة بعد ٥ سنوات.
لماذا التجارة الإلكترونية المحلية أمر هام جدا للمملكة؟
السبب الأول: التجارة الالكترونية في كل العالم وفي منطقتنا تنمو بسرعة، ومعظم الخبراء يتوقع أن تشكل التجارة الالكترونية ٢٣٪ من كل المبيعات في السنوات القليلة القادمة، (في السعودية فقط حوالي ٨٦ مليار ريال بالسنة). أي أن الكثير من الوظائف في المجال التجاري ستتحرك من المحلات إلى المتاجر الإلكترونية. لكن السؤال، هل تستطيع المتاجر السعودية على المنافسة؟ أم أن هذه الوظائف ستتحرك إلى خارج المملكة؟
السبب الثاني: بالإضافة للوظائف، التجارة الإلكترونية الخارجية تسهل للعديد من الناس بتحويل المليارات من الريالات كل سنة لخارج المملكة، وخروجها الفوري من الاقتصاد المحلي دون أن تساهم على الإطلاق في تحريك الاقتصاد المحلي (باستثناء سائق التوصيل). حسب تقديرنا داخل الشركة، ومن تقرير بيفورت عن التجارة الإلكترونية في المنطقة ٢٠١٦، فإن حجم التجارة الإلكترونية إلى خارج المملكة هو حوالي ١٠.٥ مليار ريال بالسنة. في السابق وقبل نمو التجارة الإلكترونية، كانت هذه المبالغ تتحرك داخل السوق السعودي عن طريق المحلات وتجار الجملة وموظفيهم، أما الآن فهي تخرج مباشرة. وهذا المبلغ سيزيد بسرعة مع نمو التجارة الإلكترونية.
السبب الثالث لأهمية التجارة الإلكترونية المحلية، هو أن نموها داخل المملكة، سيمكن تدريجيا هذه الشركات من تصدير - وإعادة تصدير - الكثير من البضائع إلى المنطقة والعالم، فتزيد بذلك الناتج المحلي. أما إذا بقيت شركاتنا المحلية صغيرة، فإنها ستكون ضعيفة على المساعدة في زيادة الصادرات.
أين الشركات السعودية للتجارة الإلكترونية
السعودية فيها العديد من الشركات القوية والكبيرة في الكثير من المجالات: من أكبر شركة متكاملة لإنتاج الألبان في العالم، إلى أكبر مصنع متكامل لزراعة الأحياء البحرية، وأكبر شركات الأسمنت في المنطقة، وقريبا أكبر شركة مساهمة عامة في العالم.
لكن عندما نأتي لمجال التجارة الإلكترونية - والشركات الريادية بشكل عام - فنحن متأخرين جدا.
أكبر شركات التجارة الإلكترونية في المنطقة:
- سوق: شركة مركزها في دبي، نشأتها في الأردن، وأكبر المستثمرين من جنوب أفريقيا وأمريكا، استثمارات بحوالي ٤٥٠ مليون دولار
- نمشي: شركة مركزها دبي، جزء من مجموعة روكيت إنترنت الألمانية، استثمارات بحوالي ٤٠ مليون دولار
- ماركا في آي بي: مركزها دبي، نشأتها في الأردن، مستثمرين عالميين، استثمارات بحوالي ١٨ مليون دولار
- لوكزوري كلوزين، مركزها دبي، استثمارات بحوالي ١٠ مليون دولار
- جملون: من أكبر شركات الكتب في المنطقة، مركزها الأردن، استثمارات بحوالي ٥ مليون دولار
- هذا غير الشركات التركية للتجارة الالكترونية، والتي حصلت على استثمارات بمئات ملايين الدولارات من شركات استثمارية في العالم والخليج
- وهذا غير الكثير (مثل سيفي ووادي ونون وغيرهم) ممن لم يبدأ أو لم يعلن عن أرقامه.
مبيعات كل شركة من هذه القائمة تتراوح بين ١٥ مليون دولار، إلى ٦٠٠ مليون دولار في السنة. ونلاحظ أن أيا منها ليس في السعودية.
بالمقابل، شركات التجارة الإلكترونية في السعودية، كلها صغيرة، وحصلت على استثمارات محدودة جدا. ليس هناك تقارير منشورة، لكن مما يعرفه العاملين في القطاع، أن كل من هذه الشركات، على الأكثر حصل على ٣ مليون دولار استثمار، ووصل إلى ٧ مليون دولار مبيعات. وهذه مبالغ ضئيلة مقارنة بحجم السوق السعودية - والذي يعد السوق الرئيسي للعديد من شركات المنطقة.
ما السبب؟ هل بدأت الشركات السعودية متأخرة في هذا المجال؟
لا، فالشركات السعودية الريادية من السباقين في مجال التجارة الإلكترونية. مازن الضراب أسس شركة بحر التجارة في ٢٠١١ ضمن حاضنة شركة المبادرات الوطنية. في ذلك الوقت لم تكن ماركا في آي بي مشهورة بعد، وقبل ان يحصل سوق على أول استثمار من تايجر أو ناسبرز (في ٢٠١٢)، وكانت أرامكس لا تقوم بتوصيل الشحنات للبيوت بشكل كبير.
في سنة ٢٠١٢، قام مازن الضراب ويزيد الطويل ومجموعة من الرياديين بتأسيس "اتجار" و "موثوق" لدعم المتاجر السعودية الإلكترونية. لذا من الواضح تماما أن البدايات في السعودية تضاهي، إذا لم تسبق، العديد من الشركات الأخرى.
ما السبب؟ هل عدد الشركات السعودية ضئيل في هذا المجال؟
لا، فهناك العديد من شركات التجارة الإلكترونية في السعودية، وهناك العديد التي تبدأ كل سنة. نظرة سريع على دليل موثوق يظهر لنا أكثر من ٩٠ متجر، بالإضافة للمتاجر العديدة التي لم تسجل هناك.
إذا، ما سبب ضعف شركات التجارة الإلكترونية في السعودية؟
مما عرضنا، نرى أن السعودية سوق خصب للتجارة الالكترونية، والرياديين في السعودية بدأوا في هذا المجال مثل غيرهم إذا لم يكن قبلهم، وكل سنة هناك عدد كبير من الشركات السعودية في هذا المجال.
أي أن كل الأسباب المنطقية لنمو هذه الشركات موجود، ومع ذلك، فإن الشركات خارج السعودية تتفوق على نظيراتها في المملكة بشكل ممنهج وكبير.
هنا أريد أن أطرح نظرية أن السبب من هذا التراجع هو سبب "عام" (systematic cause)، وليس سبب عرضي (coincidental cause). هناك عوامل مجتمعة، تؤثر على جميع هذه الشركات المحلية، منعتها من النمو الذي رأيناه في نظيراتها خارج المملكة.
هل تتفقون مع هذا الاستنتاج؟ إذا نعم، ما هي العوامل التي تعتقدون أنها تسبب هذا الضعف؟ وما هو الحل؟
هدفي أن تكون هذه المقالة بداية لنقاش وحديث في هذا الموضوع الهام. لذا أتمنى أن تثرونا برأيكم في الملاحظات، أو بكتابة مقالات ترد على فكرة هذا المقال. وسأحاول كتابة مقال ثاني أبحث فيه عن هذه الأسباب.